اشترِ الآن وادفع لاحقاً- ثورة أم خطر يهدد المستهلكين؟

شهدت السنوات الأخيرة بروز حلول دفع مبتكرة بفضل التقنيات المالية الحديثة، ومن بين هذه الحلول تبرز خدمة "اشترِ الآن وادفع لاحقًا" كطريقة دفع رقمية معاصرة. تتيح هذه الخدمة للمستهلكين إمكانية اقتناء السلع والخدمات وتسديد قيمتها على هيئة أقساط شهرية ميسرة، وغالبًا ما تكون هذه الأقساط بدون فوائد أو رسوم إضافية. لقد اكتسبت هذه الطريقة انتشارًا واسع النطاق على مستوى العالم، وشهدت نموًا ملحوظًا خلال العقد الماضي في مختلف الأسواق الدولية.

وبهدف توضيح الصورة، تجاوز حجم سوق "اشترِ الآن وادفع لاحقًا" عتبة الـ 300 مليار دولار أمريكي في عام 2023، وتشير التوقعات إلى استمرار هذا النمو بمعدل سنوي مركب يبلغ 26% خلال العقد القادم، مما يؤكد على جاذبية هذه الخدمة المتنامية.

لقد أصبحت طريقة "اشترِ الآن وادفع لاحقًا" بمثابة بديل جذاب لبطاقات الائتمان التقليدية، خاصة بين فئة الشباب من المستهلكين المعروفين بجيل الألفية. ويرجع ذلك إلى ما توفره هذه الطريقة من مرونة، وقدرة على تحمل التكاليف، وإمكانية إشباع الرغبات الاستهلاكية بشكل فوري. وقد ساهمت عوامل عديدة بشكل مباشر وغير مباشر في تسارع وتيرة نمو "اشترِ الآن وادفع لاحقًا" في الأسواق العالمية. ومن بين هذه العوامل، الانتشار المتزايد للتجارة الإلكترونية، والتغير في تفضيلات وتوقعات المستهلكين، وانخفاض أسعار الفائدة والرسوم (التي تكاد تكون معدومة في بعض البلدان)، بالإضافة إلى الدعم التنظيمي والابتكار المستمر.

يكمن الاختلاف الجوهري بين خدمة "اشترِ الآن وادفع لاحقًا" ومدفوعات البطاقات التقليدية في شروط الإقراض الأكثر تيسيرًا، حيث لا تتضمن عمليات فحص ائتماني صارمة للمستهلكين، أو تكون هذه العمليات محدودة في كثير من الأحيان. وهذا ما يؤدي إلى إعادة تشكيل المشهد الاستهلاكي بين الأفراد، حيث قد يصبح الإفراط في الإنفاق سمة شائعة. ونتيجة لذلك، قد يميل المستهلكون إلى شراء سلع وخدمات تفوق قدرتهم المالية، مما قد يؤدي إلى تراكم مستويات عالية من الديون. وفي ظل هذه المؤشرات، يمكن أن يؤدي الالتزام بسداد المدفوعات المنتظمة إلى خلق ضغوط مالية، خاصة خلال الفترات الاقتصادية الصعبة. وبناءً على هذا المنطلق، فإن سهولة إجراء عمليات الشراء الفورية قد تشجع على اتخاذ قرارات إنفاق اندفاعية غير مدروسة، مما يقلل من فرص التخطيط المالي السليم والمسؤول.